تحولات جذرية في قانون الجنسية الكويتية
شهدت دولة الكويت مؤخرًا تطورات قانونية مهمة ومؤثرة في ملف الجنسية، وذلك بصدور المرسوم بقانون رقم 116 لسنة 2024، الذي أتى بتعديلات واسعة على المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959 بقانون الجنسية الكويتية.
تزامنًا مع هذه التعديلات، تم تفعيل لجنة التظلمات الخاصة بسحب وإسقاط وفقد الجنسية، في خطوة تعكس حرص الدولة على تحقيق التوازن بين سيادتها في تنظيم شؤون الجنسية وحقوق الأفراد المتضررين. هذه اللجنة تمثل نافذة قانونية تتيح للمتضررين مراجعة قرارات سحب الجنسية، مما يؤكد على وجود مسار للانتصاف ويعزز من الشرعية الاجتماعية للقرارات الحكومية.
2. أبرز تعديلات المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959
صدر المرسوم بقانون رقم 116 لسنة 2024 في 24 ديسمبر 2024، متضمنًا أربع مواد رئيسية ألغت وعدّلت بعض الأحكام السابقة في قانون الجنسية الكويتية.
2.1. تعديلات المادة 7 و 8: تقييد اكتساب الجنسية بالتبعية
شملت التعديلات تغييرات جوهرية في المادتين 7 و 8:
المادة 7 (فقرتين أولى وثانية): لم يعد يترتب على كسب الأجنبي الجنسية الكويتية أن تصبح زوجته كويتية. كما يعتبر أولاده القصر كويتيين، مع منحهم حق اختيار جنسيتهم الأصلية خلال السنة التالية لبلوغهم سن الرشد.
المادة 8: نصت صراحة على أنه لا يترتب على زواج المرأة الأجنبية من الكويتي أن تصبح كويتية.
هذه التعديلات المتعلقة بالزواج من أجنبيات تعكس تحولاً في السياسة الديموغرافية والاجتماعية للدولة. الهدف من ذلك قد يكون التحكم بشكل أكبر في منح الجنسية وتقليل الحالات التي تُكتسب فيها الجنسية بشكل غير مباشر، وربما تقليل الضغط على الخدمات الحكومية وتعزيز "الكويتية" الأصيلة. ومع ذلك، يظهر توازن في هذه السياسة من خلال بند حماية أبناء الكويتيات القُصّر، مما يشير إلى محاولة لمواجهة تحديات ديموغرافية واقتصادية مع الحفاظ على العدالة الاجتماعية والنسيج الأسري.
2.2. تعديلات المادة 13: توسيع حالات سحب الجنسية
تم توسيع حالات سحب الجنسية الكويتية من الكويتي الذي كسبها بالتجنيس لتشمل ما يلي:
إذا مُنحت الجنسية بطريق الغش أو التزوير أو بناء على أقوال كاذبة، ويُسحب الجنسية ممن كسبها معه بطريق التبعية.
إذا حُكم عليه بحكم بات بعد منحه الجنسية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، أو بجريمة من جرائم أمن الدولة الداخلي أو الخارجي، أو في جريمة المساس بالذات الإلهية أو الأنبياء أو الذات الأميرية.
إذا فُصل تأديبيًا من وظيفته الحكومية لأسباب تتصل بالشرف أو الأمانة خلال 10 سنوات من منحه الجنسية.
إذا استدعت مصلحة الدولة العليا أو أمنها الخارجي ذلك، ويجوز في هذه الحالة سحب الجنسية ممن كسبها معه بطريق التبعية.
إذا توافرت دلائل على قيامه بالترويج لمبادئ من شأنها تقويض النظام الاقتصادي أو الاجتماعي في البلاد، أو على انتمائه إلى هيئة سياسية أجنبية، ويجوز في هذه الحالة سحب الجنسية ممن كسبها معه بطريق التبعية.
2.3. إضافة المادة 7 مكرراً أ: حماية أبناء الكويتيات
أُضيفت مادة جديدة برقم (7 مكرراً أ) تجيز لوزير الداخلية معاملة القاصر المولود من أم كويتية بصفة أصلية، والمحافظ على الإقامة في الكويت، معاملة الكويتيين لحين بلوغه سن الرشد، وذلك إذا كان أبوه الأجنبي أسيرًا، أو طلق أمه طلاقًا بائنًا، أو توفي عنها.
2.4. إضافة فقرة جديدة للمادة 20: الوسائل العلمية الحديثة
أُضيفت فقرة جديدة إلى المادة 20 تجيز استخدام الوسائل العلمية الحديثة في منح أو سحب أو فقد الجنسية، وذلك وفقًا للأسس والضوابط التي يصدر بها قرار من وزير الداخلية.
2.5. الإلغاءات
ألغى المرسوم بقانون الجديد كلًا من البندين "ثانيًا" و"ثالثًا" من المادة 5 والمادة 9 من المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959، بالإضافة إلى إلغاء أي حكم يخالف أحكام هذا القانون.
جدول: أبرز تعديلات المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959
إن تجميع هذه المعلومات في جدول واحد يوفر نظرة شاملة وسريعة على التغييرات الجوهرية، مما يسهل على القارئ فهم "ماذا تغير" و"لماذا يهم"، وهو أمر بالغ الأهمية في التقارير القانونية المعقدة.
الفرق بين سحب، إسقاط، وفقد الجنسية: توضيح المصطلحات القانونية
من الضروري التمييز بين المصطلحات القانونية المتعلقة بالجنسية، حيث تحمل كل منها دلالات وآثارًا مختلفة في القانون الكويتي:
السحب: يخص هذا الإجراء الجنسية المكتسبة بالتجنيس. يتم سحب الجنسية إذا ثبت الحصول عليها بطريق الغش أو التزوير أو بناء على أقوال كاذبة، أو لأسباب تتعلق بأمن الدولة أو الشرف.
الإسقاط: يتعلق هذا الإجراء بالجنسية الأصلية (المكتسبة بالتأسيس أو الميلاد). يكون الإسقاط بناءً على ضوابط وشروط محددة في القانون، مثل التجنس بجنسية أجنبية دون إذن الحكومة الكويتية، أو ارتكاب أفعال تخل بالولاء للكويت.
الفقد: يحدث فقد الجنسية في حالات معينة، أبرزها التجنس الطوعي بجنسية أجنبية، أو عدم التنازل عن جنسية أجنبية مكتسبة.
هذا التمييز القانوني الدقيق يعكس عمق القانون الكويتي في التعامل مع قضايا الهوية، ويؤكد على أن الدولة لا تتعامل مع جميع حالات فقد الجنسية بنفس المعيار، بل تميز بين من اكتسبها ومن ولد بها. هذا التعقيد في التصنيف يشير إلى أن الدولة تتبع نهجًا قانونيًا صارمًا ودقيقًا في حفاظها على الجنسية، مما يعزز من موثوقية نظامها القانوني.
جدول: حالات سحب وإسقاط وفقد الجنسية الكويتية
يقدم هذا الجدول توضيحًا بصريًا ومباشرًا لهذه الفروقات الدقيقة، مما يسهل على القارئ غير المتخصص فهم التعقيدات القانونية، ويعزز من جودة المعلومات المقدمة.
لجنة التظلمات: نافذة أمل للمتضررين
تم تشكيل لجنة التظلمات الخاصة بسحب وإسقاط وفقد الجنسية بقرار من مجلس الوزراء.
إن تفعيل لجنة التظلمات يعكس إدراكًا حكوميًا لأهمية معالجة الآثار الإنسانية لقرارات سحب الجنسية. هذه اللجنة توفر مسارًا قانونيًا للأفراد المتضررين، مما يشير إلى وجود اعتراف بضرورة مراجعة بعض القرارات. التركيز على حالات النساء اللاتي سُحبت جنسياتهن بعد الطلاق يدل على استجابة لحالات إنسانية محددة. هذه الخطوة ليست مجرد إجراء إداري، بل هي محاولة لامتصاص أي غضب شعبي أو انتقادات حقوقية، ولإضفاء شرعية أكبر على القرارات الحكومية من خلال توفير آلية للانتصاف.
4.1. إجراءات التقديم وفترة التظلم
تبلغ مدة عمل اللجنة سنة واحدة قابلة للتمديد بقرار من مجلس الوزراء إذا اقتضت الحاجة.
تتضمن المستندات المطلوبة لتقديم التظلم: طلبًا رسميًا يتضمن تفاصيل الحالة وأسباب التظلم، وثائق داعمة مثل شهادات الزواج والطلاق (إن وجدت)، إثبات الإقامة المستمرة في الكويت، ونسخة من قرار سحب الجنسية.
4.2. أعداد الحالات المتأثرة
تختلف الأرقام المتداولة حول عدد الحالات المتأثرة بقرارات سحب الجنسية. فقد قررت اللجنة العليا سحب وفقد الجنسية من 434 حالة.
إن التباين الكبير في أعداد الحالات المتأثرة يشير إلى تعقيد الملف وتعدد مراحله. هذه الأرقام لا يمكن أن تكون كلها لنفس الفترة أو نفس الفئة. فـ 434 حالة قد تكون الدفعة الأولى أو الحالات التي نظرت فيها اللجنة العليا، و3701 قد يكون العدد الإجمالي الذي أشار إليه وزير الداخلية، بينما 50,000 قد يكون العدد التراكمي على مدى سنوات طويلة أو يشمل حالات مختلفة (سحب، إسقاط، فقد). من المهم الإشارة إلى هذه الفروقات لتقديم صورة دقيقة للوضع.
جدول: خطوات تقديم التظلم للجنة الجنسية
الآثار المترتبة على سحب الجنسية ومستقبل المتضررين
يترتب على سحب الجنسية، أو سحب شهاداتها، استرداد جميع ما صُرف ومُنح من مزايا كانت قد تقررت بناءً على هذه الجنسية.
إن سياسة "استرداد المزايا" مع استثناءات للرعاية الصحية والتعليم تعكس توازنًا بين تطبيق القانون والحفاظ على الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية الأساسية. هذا يعكس محاولة من الحكومة لتجنب الآثار الإنسانية القاسية على المتضررين، خاصة فيما يتعلق بالخدمات الأساسية. هذا التوازن يشير إلى أن الدولة تدرك أهمية الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وتجنب خلق فئات محرومة تمامًا، مما قد يؤدي إلى مشاكل اجتماعية أكبر.
بالنسبة للمرأة الأجنبية التي تجنست بالجنسية الكويتية عن طريق الزواج، فإنها لا تفقد جنسيتها تلقائيًا عند الطلاق. ومع ذلك، يعتمد سحب الجنسية في هذه الحالات على أسباب محددة في القانون، غالبًا ما تكون مرتبطة بأمور تتعلق بأمن الدولة أو تقديم معلومات خاطئة عند الحصول على الجنسية.
الخلاصة: نحو مستقبل أكثر وضوحاً للجنسية الكويتية
تعكس التعديلات الأخيرة على قانون الجنسية الكويتية رؤية شاملة تهدف إلى حماية الهوية الوطنية وتعزيز الأمن، مع توفير آليات للعدالة الاجتماعية والتظلم. إنها خطوة نحو تنظيم أكثر صرامة وشفافية لملف الجنسية، مع الأخذ في الاعتبار الجوانب الإنسانية للمتضررين. هذه الإجراءات تهدف إلى بناء نظام جنسية أكثر قوة وموثوقية، قادر على مواجهة التحديات المستقبلية بفعالية.