في خطوة وُصفت بأنها الأجرأ منذ سنوات في ملف الإصلاح المالي، أعلن مصرف ليبيا المركزي عن اكتشاف أكثر من 300 ألف موظف وهمي داخل الجهاز الحكومي، بعد أيام قليلة من إطلاق منظومة "مرتبك لحظي" المخصصة لتتبع وتحويل الرواتب بشكل مباشر وفوري إلى حسابات الموظفين.
هذا الكشف الصادم أعاد إلى الواجهة ملف الفساد الإداري والمالي الذي أنهك الدولة الليبية على مدار السنوات الماضية، وأثار تساؤلات عميقة حول مصير الأموال المسروقة والتي قُدرت قيمتها بنحو 7 مليارات دينار ليبي.
كيف كشفت منظومة "مرتبك لحظي" الحقيقة؟
منظومة "مرتبك لحظي" التي أطلقها مصرف ليبيا المركزي بالتعاون مع وزارة المالية، تعتمد على ربط إلكتروني مباشر بين بيانات الموظفين في كافة القطاعات الحكومية وبين حساباتهم البنكية.
عبر هذه التقنية، تم التحقق من تطابق أرقام الحسابات والبيانات الشخصية مع السجلات الفعلية، وهو ما أظهر وجود مئات الآلاف من الرواتب تصرف لأسماء لا وجود لها على أرض الواقع، أو لأشخاص يتقاضون أكثر من راتب في أكثر من جهة حكومية.
300 ألف موظف وهمي… ماذا يعني هذا الرقم؟
للتوضيح، فإن عدد سكان ليبيا لا يتجاوز 7 ملايين نسمة، ما يعني أن حوالي 4% من السكان كانوا محسوبين كـ"موظفين" يتقاضون رواتب دون عمل حقيقي.
هذه الظاهرة، وفق خبراء الاقتصاد، ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكم الفساد وتداخل النفوذ بين السلطات في الشرق والغرب، إضافة إلى ضعف منظومات الرقابة والمراجعة المالية.
7 مليارات دينار… وأين ذهبت؟
وفق الأرقام الرسمية، فإن هذه الرواتب كانت تكلف الدولة حوالي 7 مليارات دينار سنويًا، وهو مبلغ كان يمكن أن يغير شكل البنية التحتية والخدمات العامة في ليبيا لو تم استغلاله بشكل صحيح.
السؤال الذي يشغل الرأي العام اليوم هو: "أين ذهبت هذه الأموال طوال السنوات الماضية؟" وهل كانت تُحوّل إلى جيوب نافذين ومسؤولين، أم تُستخدم في تمويل أنشطة خارج إطار الدولة؟
ردود فعل الشارع الليبي
الكشف أحدث صدمة شعبية، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تفاعل الآلاف مع الخبر بين مطالب بمحاكمة الفاسدين، ودعوات إلى توسيع التحقيقات لتشمل كل من وقّع أو صادق على كشوفات الرواتب الوهمية.
في المقابل، حذر بعض النشطاء من أن هذه الخطوة قد تكون بداية تصفية حسابات سياسية إذا لم تتم إدارتها بشفافية تامة.
هل هذه نهاية الفساد أم مجرد بداية؟
رغم أهمية هذا الإنجاز، يرى محللون أن منظومة "مرتبك لحظي" ليست سوى بداية الطريق، وأن القضاء على الفساد يتطلب إصلاح جذري يشمل تحديث أنظمة التوظيف، ومراجعة العقود الحكومية، وربط كل موظف برقم وطني موحّد يمنع تكرار هذه الظواهر.
رابط تطبيق راتبك لحظي
- للأندرويد: تحميل من Google Play
- للآيفون: تحميل من App Store
خاتمة
الكشف عن 300 ألف موظف وهمي في ليبيا يعد جرس إنذار قوي بأن الفساد لم يعد مجرد اتهام متبادل بين الأطراف، بل حقيقة موثقة بالأرقام.
ويبقى السؤال الأهم الذي يردده المواطنون: "إذا كُشف الفساد، فهل ستُسترد الأموال ويُحاسب المتورطون؟ أم سيُغلق الملف كغيره؟"